فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الثامن: أغنى عن أن يخدم وأقنى أن يستخدم، وهذا معنى قول السدي.
ويحتمل تاسعًا: أغنى بما كسبه الإنسان في الحياة وأقنى بما خلفه بعد الوفاة مأخوذ من اقتناء المال وهو استبقاؤه.
{وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى} والشعرى نجم يضيء وراء الجوزاء، قال مجاهد: تسمى هوزم الجوزاء، ويقال إنه الوقاد، وإنما ذكر أنه رب الشعرى وإن كان ربًا لغيره لأن العرب كانت تعبده فأعلموا أن الشعرى مربوب وليس برب.
واختلف فيمن كان يعبده فقال السدي: كانت تعبده حمير وخزاعة وقال غيره: أول من عبده أبو كبشة، وقد كان من لا يعبدها من العرب يعظمها ويعتقد تأثيرها في العالم، قال الشاعر:
مضى أيلول وارتفع الحرور ** وأخبت نارها الشعرى العبور

{وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الأُولَى} فيهم قولان:
أحدهما: أن عاد الأولى عاد بن إرم، وهم الذين أهلكوا بريح صرصر عاتية، وعادًا الآخرة قوم هود.
الثاني: أن عادًا الأولى قوم هود والآخرة قوم كانوا بحضرموت، قاله قتادة.
{وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى} والمؤتفكة المنقلبة بالخسف، قاله محمد بن كعب: هي مدائن قوم لوط وهي خمسة: صبغة وصغيرة وعمرة ودومًا وسدوم وهي العظمى، فبعث الله عليهم جبريل فاحتملها بجناحه ثم صعد بها حتى أن أهل السماء يسمعون نباح كلابهم وأصوات دجاجهم ثم كفأها على وجهها ثم أتبعها بالحجارة كما قال تعالى: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حَجَارةً مِن سِجِّيْلٍ} قال قتادة: كانوا أربعة آلاف ألف.
{أَهْوَى} يحتمل وجهين: أحدهما: أن جبريل أهوى بها حين احتملها حتى جعل عاليها سافلها.
الثاني: أنهم أكثر ارتكابًا للهوى حتى حل بهم ما حل من البلاء.
{فَعَشَّاهَا مَا غَشَّى} يعني المؤتفكة، وفيما غشاها قولان:
أحدهما: جبريل حين قلبها.
الثاني: الحجارة حتى أهلكها.
{فَبِأَيِّ ءَالاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى} وهذا خطاب للمكذب أي فبأي نعم ربك تشك فيما أولاك وفيما كفاك.
وفي قوله: {فَغَشَّاهَا} وجهان:
أحدهما: ألقاها.
الثاني: غطاها.
{هَذا نَذِيرٌ مِّنَ النُّذُرِ الأُولَى} فيه قولان:
أحدهما: أن محمدًا نذير الحق أنذر به الأنبياء قبله، قاله ابن جريج.
الثاني: أن القرآن نذير بما أنذرت به الكتب الأولى، قاله قتادة.
ويحتمل قولا ثالثًا: أن هلاك من تقدم ذكره من الأمم الأولى نذير لكم.
{أَزِفَتِ الأزِفَةُ} أي اقتربت الساعة ودنت القيامة، وسماها آزفة لقرب قيامها عنده.
{لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ} أي من يكشف ضررها.
{أَفَمِنَ هَذا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: من القرآن في نزوله من عند الله.
الثاني: من البعث والجزاء وهو محتمل.
{وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ} فيها وجهان:
أحدهما: تضحكون استهزاء ولا تبكون انزجارًا.
الثاني: تفرحون ولا تحزنون، وهو محتمل.
{وَأَنْتُم سَامِدُونَ} فيه تسعة تأويلات:
أحدها: شامخون كما يخطر البعير شامخًا، قاله ابن عباس.
الثاني: غافلون، قاله قتادة.
الثالث: معرضون، قاله مجاهد.
الرابع: مستكبرون، قاله السدي.
الخامس: لاهون لاعبون، قاله عكرمة.
السادس: هو الغناء، كانوا إذا سمعوا القرآن تغنوا، وهي لغة حمير، قاله أبو عبيدة.
السابع: أن يجلسوا غير مصلين ولا منتظرين قاله علي رضي الله عنه.
الثامن: واقفون للصلاة قبل وقوف الإمام، قاله الحسن، وفيه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خرج والناس ينتظرونه قيامًا فقال: ما لي أراكم سامدين.
التاسع؛ خامدون قاله المبرد، قال الشاعر:
رمى الحدثان نسوة آل حرب ** بمقد سمدن له سمودًا

{فَاسْجُدُواْ لِلَّهِ وَأعْبُدُواْ} فيه وجهان:
أحدهما: أنه سجود تلاوة القرآن، قال ابن مسعود، وفيه دليل على أن في المفصل سجودًا.
الثاني: أنه سجود الفرض في الصلاة. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {والنَّجْم إِذا هوى} هذا قسم.
وفي المراد بالنجم خمسة أقوال:
أحدها: أنه الثُّريّا، رواه العوفي عن ابن عباس، وابن أبي نجيح عن مجاهد، قال ابن قتيبة: والعرب تسمي الثريا- وهي ستة أنجُم- نجمًا.
وقال غيره: هي سبعة، فستة ظاهرة، وواحد خفي، يمتحن به الناسُ أبصارَهم.
والثاني: الرُّجوم من النُّجوم، يعني ما يرمى به الشياطين، رواه عكرمة عن ابن عباس.
والثالث: أنه القرآن نزل نجومًا متفرِّقة، قاله عطاء عن ابن عباس، والأعمش عن مجاهد.
وقال مجاهد: كان ينزل نجومًا ثلاث آيات وأربع آيات ونحو ذلك.
والرابع: نجوم السماء كُلِّها، وهو مروي عن مجاهد أيضًا.
والخامس: أنها الزُّهَرةُ: قاله السدي.
فعلى قول من قال: النجم: الثريا، يكون هوى بمعنى غاب؛ ومن قال: هو الرُّجوم، يكون هُوِيُّها في رمي الشياطين، ومن قال: القرآن، يكون معنى هوى نزل، ومن قال: نجوم السماء كلِّها، ففيه قولان.
أحدهما: أن هُوِيَّها أن تغيب.
والثاني: أن تنتثر يوم القيامة.
قرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر هذه السورة كلَّها بفتح أواخر آياتها.
وقرأ أبو عمرو ونافع بين الفتح والكسر.
وقرأ حمزة والكسائي ذلك كلَّه بالإمالة.
قوله تعالى: {ما ضَلَّ صاحبُكم} هذا جواب القَسَم؛ والمعنى: ما ضَلَّ عن طريق الهُدى، والمراد به: رسول الله صلى الله عليه وسلم.
{وما يَنْطِقُ عن الهَوى} أي: ما يتكلَّم بالباطل.
وقال أبو عبيدة: {عن} بمعنى الباء.
وذلك أنهم قالوا: إنه يقول القرآن من تلقاء نفسه.
{إنْ هُوَ} أي: ما القرآن {إلاّ وَحْيٌ} من الله {يُوحَى} وهذا ممّا يحتجُّ به من لا يُجيز للنبيّ أن يجتهد، وليس كما ظنُّوا، لأن اجتهاد الرأي إذا صدر عن الوحي، جاز أن يُنْسَبَ إلى الوحي.
قوله تعالى: {عَلَّمه شديدُ القُوى} وهو جبريل عليه السلام علَّم النبيَّ صلى الله عليه وسلم؛ قال ابن قتيبة: وأصل هذا من قُوَى الحَبْل وهي طاقاتُه، الواحدة: قُوَّةٌ {ذو مِرَّةٍ} أي: ذو قُوَّة، وأصل المِرَّة: الفَتْلُ.
قال المفسرون: وكان من قُوَّته أنه قلع قَرْيات لوط وحملها على جناحه فقلبها، وصاح بثمود فأصبحوا خامدين.
قوله تعالى: {فاستوى وهُو بالأُفُق الأعلى} فيه قولان.
أحدهما: فاستوى جبريل، وهو يعني النبيَّ صلى الله عليه وسلم، والمعنى: أنهما استويا بالأفق الأعلى لمّا أُسري برسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله الفراء.
والثاني: فاستوى جبريل، وهو يعني جبريل بالأفق الأعلى على صورته الحقيقية، لأنه كان يَتمثَّل لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هبط عليه بالوحي في صورة رجُل، وأحبَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يراه على حقيقته، فاستوى في أفق المَشْرِق، فملأ الأفق؛ فيكون المعنى؛ فاستوى جبريلُ بالأفق الأعلى في صورته، هذا قول الزجَّاج.
قال مجاهد: والأفق الأعلى: هو مَطْلِع الشمس.
وقال غيره: إنما قيل له: {الأعلى} لأنه فوق جانب المَغْرب في صعيد الأرض لا في الهواء.
قوله تعالى: {ثُمَّ دنا فتَدَلَّى} قال الفراء: المعنى: ثم تَدلَّى فدنا.
ولكنه جائز أن تقدِّم أيَّ الفعلين شئتَ إذا كان المعنى فيهما واحدًا، فتقول: قد دنا فقَربُ، وقَرُبَ فدنا، وشتم فأساء، وأساء فشتم، ومنه قوله: {اقتربتِ الساعةُ وانشقَّ القمر} [القمر: 1] المعنى والله أعلم: انشق القمر واقتربت الساعة.
قال ابن قتيبة: المعنى: تَدلَّى فدنا، لأنه تَدَلَّى للدُّنُوِّ، ودنا بالتَّدلِّي.
وقال الزجاج: دنا بمعنى قَرُبَ، وتدلى: زاد في القُرْب، ومعنى اللفظتين واحد.
وقال غيرهم: أصل التَّدَلِّي: النُّزول إلى الشيء حتى يقرب منه، فوُضع موضع القُرْب.
وفي المشار إليه بقوله: {ثُمَّ دنا} ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه الله عز وجل.
روى البخاري ومسلم في (الصحيحين) من حديث شريك بن أبي نَمِر عن أنس بن مالك قال: دنا الجبّار ربُّ العِزَّة فتدلَّى حتى كان منه قابَ قوسين أو أدنى.
وروى أبو سلمة عن ابن عباس: {ثم دنا} قال: دنا ربُّه فتدلَّى، وهذا اختيار مقاتل.
قال: دنا الرَّبُّ من محمد ليلةَ أُسْرِي به،، فكان منه قابَ قوسين أو أدنى.
وقد كشفتُ هذا الوجه في كتاب (المُغْني) وبيَّنتُ أنه ليس كما يخطُر بالبال من قُرب الأجسام وقطع المسافة، لأن ذلك يختص بالأجسام، والله منزَّه عن ذلك.
والثاني: أنه محمد دنا من ربِّه، قاله ابن عباس، والقرظي.
والثالث: أنه جبريل.
ثم في الكلام قولان.
أحدهما: دنا جبريلُ بعد استوائه بالأفق الأعلى من الأرض، فنزل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله الحسن، وقتادة.
والثاني: دنا جبريلُ من ربِّه عز وجل فكان منه قابَ قوسين أو أدنى، قاله مجاهد.
قوله تعالى: {فكان قابَ قَوْسَيْنِ أو أدنى} وقرأ ابن مسعود، وأبو رزين: {فكان قاد قوسين} بالدال.
وقال أبو عبيدة: القابُ والقادُ: القَدْر.
وقال ابن فارس: القابُ: القدر.
ويقال: بل القابُ: ما بين المَقْبِض والسِّية، ولكل قوس قابان.
وقال ابن قتيبة: سِيَة القَوْس: ما عُطِفَ من طَرَفيْها.
وفي المراد بالقوسين قولان.
أحدهما: أنها القوس التي يُرمى بها، قاله ابن عباس، واختاره ابن قتيبة، فقال: قَدْر قوسين.
وقال الكسائي: أراد بالقوسين: قوسًا واحدًا.
والثاني: أن القوس: الذراع؛ فالمعنى: كان بينهما قَدْر ذراعين، حكاه ابن قتيبة.
وهو قول ابن مسعود، وسعيد بن جبير، والسدي.
قال ابن مسعود: دنا جبريل منه حتى كان قَدْرَ ذراع أو ذراعين.
قوله تعالى: {أو أدنى} فيه قولان.
أحدهما: أنها بمعنى (بل)، قاله مقاتل.
والثاني: أنهم خوطبوا على لغتهم؛ والمعنى: كان على ما تقدِّرونه أنتم قَدْرَ قوسين أو أقلَّ، هذا اختيار الزجّاج.
قوله تعالى: {فأَوْحى إلى عَبْده ما أَوْحى} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: أَوْحى اللهُ إلى محمد كِفاحًا بلا واسطة، وهذا على قول من يقول: إنه كان في ليلة المعراج.
والثاني: أَوحى جبريلُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما أَوحى اللهُ إليه، رواه عطاء عن ابن عباس.
والثالث: أَوحى اللهُ إلى جبريل ما يوحيه، روي عن عائشة رضي الله عنها، والحسن، وقتادة.
قوله تعالى: {ما كَذَبَ الفؤادُ ما رأى} قرأ أبو جعفر، وهشام عن ابن عامر، وأبان عن عاصم: {ما كَذَّب} بتشديد الذّال؛ وقرأ الباقون بالتخفيف.
فمن شدَّد أراد: ما أَنكر فؤادُه ما رأته عينُه؛ ومن خفَّف أراد: ما أوهمه فؤادُه أنه رأى، ولم ير، بل صَدَّقَ الفؤاد رؤيته.
وفي الذي رأى قولان.
أحدهما: أنه رأى ربَّه عز وجل، قاله ابن عباس، وأنس، والحسن، وعكرمة.
والثاني: أنه رأى جبريلَ في صورته التي خُلق عليها، قاله ابن مسعود وعائشة.
قوله تعالى: {أفَتُمارُونه} وقرأ حمزة، والكسائي، والمفضل، وخلف، ويعقوب: {أفَتمْروُنه}.
قال ابن قتيبة: معنى {أفَتُماروُنه}: أفتُجادِلونه، مِن المِراء، ومعنى {أفتَمْرُونه}: أفَتَجْحدونه.
قوله تعالى: {ولقد رآه نَزْلَةً أُخْرَى} قال الزجّاج: أي: رآه مَرَّةً أُخرى.
قال ابن عباس: رأى محمدٌ ربَّه؛ وبيان هذا أنه تردَّد لأجل الصلوات مرارًا، فرأى ربَّه في بعض تلك المرّات مَرَّةً أُخرى.
قال كعب: إن الله تعالى قسم كلامه ورؤيته بين محمد وموسى، فرآه محمد مرتين، وكلَّمه موسى مرتين.
وقد روي عن ابن مسعود أن هذه الرؤية لجبريل أيضًا، رآه على صورته التي خُلق عليها.
فأمّا سِدْرة المُنتهى، فالسِّدْرة: شجرة النَّبِق، وقد صح في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «نَبِقُها مِثْلُ قِلال هَجَر، ووَرَقُها مِثلُ آذان الفِيَلة».
وفي مكانها قولان.
أحدهما: أنها فوق السماء السابعة، وهذا مذكور في (الصحيحين) من حديث مالك بن صعصعة.
قال مقاتل: وهي عن يمين العرش.
والثاني: أنها في السماء السادسة، أخرجه مسلم في أفراده عن ابن مسعود وبه قال الضحاك.
قال المفسرون: وإنما سُمِّيتْ سِدْرة المُنتهى، لأنه إليها مُنتهى ما يُصْعَد به من الأرض، فيُقْبَض منها، وإليها ينتهي ما يُهبْطَ به من فوقها فيُقْبَض منها، وإليها ينتهي عِلْم جميع الملائكة.